بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 19 سبتمبر 2011

الشعر وزماننا..!!



السلام عليكم


الشعر وزماننا ..!!
رحم الله ذلك الزمان الذي كان الشاعر يكتب قصائده فيه على جلد الغزال، ففي ذلك العصر، كان الشعر شعراً، وكان الشاعر ثروة قومية لقبيلته.

في تلك الأيام الغابرة من تاريخنا كانت عملية الكتابة معاناة وصبراً، وأتصور أنها لم تكن عملاً فردياً. فعندما كان امرؤ القيس يرغب في كتابة قصيدة، كان يجمع حوله قبيلة من الشعراء، أمثاله، ويتفق الجميع على اصطياد غزال يأخذ كل واحد منهم قطعة من جلده ويستخدمها للكتابة.. ثم يخرج الجميع الى الفلاة، مسلحين برماحهم وسهامهم، يطاردون الغزلان، حتى يسقط أحدها بفعل سهامهم، فيأكلوه، ويسلخوا جلده، ويوزعوه على بعضهم بعضاً، ويا امرأ القيس لك ربع متر من الجلد اكتب عليه معلقتك.

مشكلتنا هذه الأيام ان العديد من شعرائنا لا يكتبون قصائدهم على جلد الغزال، وانما على الورق الذي لا يذهبون الى الفلوات لصيده، فهو متوفر بالأطنان، ولذلك فإنهم يستغلون وفرة الورق، ويحبرونه بأي كلام، ويقولون إنه الشعر، وفي عملهم هذا جردوا الشعر من كل مقوماته، وحولوه إلى هلوسات محموم، وعندما تسألهم يقولون: إنها الحداثة، أو ينظر أحدهم إليك باستخفاف ويقول: “إنني أكتب للنخبة، وكما أعاني أنا في كتابة القصيدة، ينبغي أن يعاني القارىء أيضا لكي يفهمها”. وتتذكر على الفور أنك لست من النخبة، ولا من ينتخبون، فتصمت مغلوباً على أمرك.

وأذكر أنني تلقيت ديوان شعر هدية من شاعر من النوع الذي يكتب لنخبة النخبة أيضاً. ويقول: ان المتنبي لو وجد في هذا العصر الذي يوجد هو فيه لتوقف عن كتابة الشعر  (المتنبي بالطبع) وكانت أقصى طموحاته أن يعمل بائعاً في محطة بنزين.

وقرأت ديوان صاحبنا من الغلاف الى الغلاف فلم أجد فيه إلا هلوسات تتحدث عن الحصول على امتياز التنقيب عن الألماس بين حاجبي حبيبته.. وان فمه مقبرة وأسنانه توابيت.. وغير ذلك من العبارات التي لا تصدر إلا عن شخص يعاني من تأثير حمى شديدة الوطء. وبعض القصائد سطر واحد وعنوانها سبعة أسطر، وبعض الأسطر حرف او حرفان.. ومثال على ذلك كلمة انتهيت.. فقد كتب “ان” على سطر وحرف “التاء” على سطر وأحرف “هيت” على سطر، وعندما سألته عن الحكمة من ذلك قال، بكل جدية: “أريد ان أعطي الإيقاع الصوتي لعملية الانتهاء لأشرك القارىء في تجربتي الشعرية”.

المهم: قرأت الديوان مرة، ومرة، فلم أخرج منه بشيء، وحاولت ان أقرأ بعض القصائد من تحت الى فوق، فخرجت بقصيدة جديدة هي من شاكلة القصائد الموجودة في الديوان. وقرأت بعضها بأن أقرأ كلمة، وأترك الكلمة التي تليها، وهكذا الى ان تنتهي القصيدة، فخرجت بقصيدة ثانية، وراقت لي اللعبة، فرحت أجمع الأحرف الاولى من كل سطر، وأضع ما تجمع لديّ في سطر، ثم أجمع الأحرف الثانية وأضعها في سطر آخر.. وهكذا تكونت لديّ قصائد جديدة هي من حيث الاهتزاز من الأعماق لا تختلف عن القصائد السابقة.

ترى، لو كان الشعراء مازالوا يكتبون قصائدهم على جلد الغزال، هل يستخفون بالشعر الى هذه الدرجة؟

اللبيب بالاشارة يفهم

السلام عليكم


__________________
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .... لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق